..:: KaZaMiZa Cafe Net ::..
مرحبا بك في منتديات KaZaMiZa Cafe Net
عزيزى الزائر يمكنك الان التصفح والتحميل من منتديات ..:: كذاميزا كافى نت ::...
بدون تسجيل واذا اردت ان تستمع بكافة الصلاحيات وتشاركنا ارائك يمكنك التسجيل بالضغط على الزر ادناه
..:: KaZaMiZa Cafe Net ::..
مرحبا بك في منتديات KaZaMiZa Cafe Net
عزيزى الزائر يمكنك الان التصفح والتحميل من منتديات ..:: كذاميزا كافى نت ::...
بدون تسجيل واذا اردت ان تستمع بكافة الصلاحيات وتشاركنا ارائك يمكنك التسجيل بالضغط على الزر ادناه
..:: KaZaMiZa Cafe Net ::..
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


..:: منتديات كذاميزا كافى نت ::...افلام عربي | افلام اجنبي | اغاني وكليبات | موبايل | تحميل العاب | تنزيل برامج | اسلاميات | صور وخلفيات | ملفات اخرى | مسلسلات | رياضة |
 
الرئيسية7amadaأحدث الصورالتسجيلدخول


 

 السيره النبويه (الجزء الثاني عشر)

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
great_heart
مشرف قسم
مشرف قسم
great_heart


عدد المساهمات : 568
نقاط : 880
السٌّمعَة : 38
تاريخ التسجيل : 17/10/2010
العمر : 37

السيره النبويه (الجزء الثاني عشر) Empty
مُساهمةموضوع: السيره النبويه (الجزء الثاني عشر)   السيره النبويه (الجزء الثاني عشر) Emptyالأربعاء ديسمبر 08, 2010 1:24 pm

*وادي القُرَي‏ :

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القري، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب‏.‏

فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي، وهم على تعبئة، فقتل مِدْعَم ـ عَبْدٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال الناس‏:‏ هنيئا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلا، والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا‏)‏، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشِرَاك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏شراك من نار أو شراكان من نار‏)‏‏.‏

ثم عَبَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصَفَّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحُبَاب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حُنَيْف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام‏.‏

وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغَنَّمَهُ اللهُ أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعًا كثيرًا‏.‏

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القري أربعة أيام‏.‏ وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها ـ كما عامل أهل خيبرـ‏.‏

* تَيْمَـــاء‏‏ :

ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فَدَك ووادي القُرَي، لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا بأموالهم‏.‏ وكتب لهم بذلك كتابا وهاك نصه‏:‏ هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، أن لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد‏.‏

* العودة إلى المدينة‏ :

ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العودة إلى المدينة، وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير‏:‏ ‏(‏الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله‏)‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصَمَّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا‏)‏‏.‏

وفي مرجعه ذلك سار النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال‏:‏ ‏(‏اكلأ لنا الليل‏)‏، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلي الفجر بالناس، وقيل‏:‏ إن هذه القصة في غير هذا السفر‏.‏

وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر، يبدو أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7 هـ‏.‏

* سرية أبَان بن سعيد‏ :

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أكثر من كل قائد عسكري أن إخلاء المدينة تماما بعد انقضاء الأشهر الحرم ليس من الحزم قطعًا، بينما الأعراب ضاربة حولها، تطلب غرة المسلمين للقيام بالنهب والسلب وأعمال القرصنة ؛ ولذلك أرسل سرية إلى نجد لإرهاب الأعراب تحت قيادة أبان بن سعيد، بينما كان هو إلى خيبر، وقد رجع أبان بن سعيد بعد قضاء ما كان واجبًا عليه، فوافي النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد افتتحها‏.‏

والأغلب أن هذه السرية كانت في صفر سنة 7هـ، وقد ورد ذكرها في البخاري‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ لم أعرف حال هذه السرية‏.‏


* بقية السرايا والغزوات في السنة السابعة :

* غزوة ذات الرِّقَاع‏ :

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر جناحين قويين من أجنحة الأحزاب الثلاثة تفرغ تمامًا للالتفات إلى الجناح الثالث، أي إلى الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد، والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين آونة وأخري‏.‏

ولما كان هؤلاء البدو لا تجمعهم بلدة أو مدينة، ولم يكونوا يقطنون الحصون والقلاع، كانت الصعوبة في فرض السيطرة عليهم وإخماد نار شرهم تمامًا تزداد بكثير عما كانت بالنسبة إلى أهل مكة وخيبر ؛ ولذلك لم تكن تجدي فيهم إلا حملات التأديب والإرهاب، وقام المسلمون بمثل هذه الحملات مرة بعد أخري‏.‏

ولفرض الشوكة ـ أو لاجتماع البدو الذين كانوا يتحشدون للإغارة على أطراف المدينة ـ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحملة تأديبية عرفت بغزوة ذات الرقاع‏.‏

وعامة أهل المغازي يذكرون هذه الغزوة في السنة الرابعة، ولكن حضور أبي موسي الأشعري وأبي هريرة رضي الله عنهما في هذه الغزوة يدل على وقوعها بعد خيبر، والأغلب أنها وقعت في شهر ربيع الأول سنة 7 هـ‏.‏

وملخص ما ذكره أهل السير حول هذه الغزوة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع باجتماع بني أنمار أو بني ثعلبة وبني مُحَارِب من غطفان، فأسرع بالخروج إليهم في أربعمائة أو سبعمائة من أصحابه، واستعمل على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وسار فتوغل في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له‏:‏ نخل، على بعد يومين من المدينة، ولقي جمعاً من غطفان، فتقاربوا وأخاف بعضهم بعضاً ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلي بهم يومئذ صلاة الخوف‏.‏وفي رواية البخاري‏:‏ وأقيمت الصلاة فصلي بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلي بالطائفة الأخري ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان‏.‏

وفي البخاري عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنهم قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت ذات الرقاع، لما كنا نعصب الخرق على أرجلنا‏.‏

وفيه عن جابر‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرق الناس في العضاة، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه‏.‏ قال جابر‏:‏ فنمنا نومة، فجاء رجل من المشركين‏:‏ فاخترط سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ أتخافني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا‏)‏، قال‏:‏ فمن يمنعك مني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الله‏)‏‏.‏ قال جابر‏:‏ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئنا، فإذا عنده أعرابي جالس‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صَلْتًا‏.‏ فقال لي‏:‏ من يمنعك مني‏؟‏ قلت‏:‏ الله، فها هو ذا جالس‏)‏، ثم لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي رواية أبي عوانة‏:‏ فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏(‏من يمنعك مني‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ كـن خـير آخـذ، قال‏:‏ ‏(‏تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله‏؟‏‏)‏ قال الأعرابي‏:‏ أعاهدك على ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال‏:‏ فخلي سبيله، فجاء إلى قومه، فقال‏:‏ جئتكم من عند خير الناس‏.‏

وفي رواية البخاري‏:‏ قال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر‏:‏ اسم الرجل غَوْرَث ابن الحارث‏.‏قال ابن حجر‏:‏ ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة‏:‏ أن اسم الأعرابي دُعْثُور، وأنه أسلم، لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين‏.‏ والله أعلم‏.‏

وفي مرجعهم من هذه الغزوة سبوا امرأة من المشركين، فنذر زوجها ألا يرجع حتى يهريق دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء ليلاً، وقد أرصد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين رَبِيئة للمسلمين من العدو، وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر، فضرب عباداً، وهو قائم يصلي، بسهم فنزعه، ولم يبطل صلاته، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلم، فأيقظ صاحبه، فقال‏:‏ سبحان الله‏!‏ هلا نبهتني، فقال‏:‏ إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها‏.‏

كان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، وإذا نظرنا إلى تفاصيل السرايا بعدالغزوة نري أن هذه القبائل من غطفان لم تجترئ أن ترفع رأسها بعد هذه الغزوة، بل استكانت شيئاً فشيئاً حتى استسلمت، بل وأسلمت، حتى نري عدة قبائل من هذه الأعراب تقوم مع المسلمين في فتح مكة، وتغزو حُنَيْناً، وتأخذ من غنائمها، ويبعث إليها المصدقون فتعطي صدقاتها بعد الرجوع من غزوة الفتح، فبهذا تم كسر الأجنحة الثلاثة التي كانت ممثلة في الأحزاب، وساد المنطقة الأمن والسلام، واستطاع المسلمون بعد ذلك أن يسدوا بسهولة كل خلل وثلمة حدثت في بعض المناطق من بعض القبائل، بل بعد هذه الغزوة بدأت التمهيدات لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ؛ لأن الظروف في داخل البلاد كانت قد تطورت لصالح الإسلام والمسلمين‏.‏

وبعد الرجوع من هذه الغزوة أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شوال سنة 7 هـ‏.‏


* وبعث في خلال ذلك عدة سرايا‏.‏ وهاك بعض تفصيلها‏:‏

1 ـ سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني المُلَوَّح بُقدَيْد، في صفر أو ربيع الأول سنة 7 هـ‏.‏ كان بنو الملوح قد قتلوا أصحاب بشير بن سُوَيْد، فبعثت هذه السرية لأخذ الثأر، فشنوا الغارة في الليل فقتلوا من قتلوا، وساقوا النعم، وطاردهم جيش كبير من العدو، حتى إذا قرب من المسلمين نزل مطر، فجاء سيل عظيم حال بين الفريقين‏.‏ ونجح المسلمون في بقية الانسحاب‏.‏

2 ـ سرية حِسْمَي، في جمادي الثانية سنة 7 هـ، وقد مضي ذكرها في مكاتبة الملوك‏.‏

3 ـ سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة، في شعبان سنة 7 هـ، ومعه ثلاثون رجلاً‏.‏ كانوا يسيرون الليل ويستخفون في النهار، وأتي الخبر إلى هوازن فهربوا، وجاء عمر إلى محالهم فلم يلق أحداً، فانصرف راجعاً إلى المدينة‏.‏

4 ـ سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بناحية فَدَك، في شعبان سنة 7هـ في ثلاثين رجلاً‏.‏ خرج إليهم واستاق الشاء والنعم، ثم رجع فأدركه الطلب عند الليل، فرموهم بالنبل حتى فني نبل بشير وأصحابه، فقتلوا جميعاً إلا بشير، فإنه ارْتُثَّ إلى فدك، فأقام عند يهود حتى برأت جراحه، فرجع إلى المدينة‏.‏

5 ـ سرية غالب بن عبد الله الليثي، في رمضان سنة 7 هـ إلى بني عُوَال وبني عبد ابن ثعلبة بالمَيْفَعَة، وقيل إلى الحُرَقَات من جُهَيْنَة، في مائة وثلاثين رجلاً، فهجموا عليهم جميعاً، وقتلوا من أشرف لهم، واستاقوا نعما وشاء، وفي هذه السرية قتل أسامةُ بن زيد نَهِيكَ بن مِرْدَاس بعد أن قال‏:‏ لا إله إلا الله، فلما قدموا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كبر عليه وقال‏:‏ ‏(‏أقتلته بعد ما قال‏:‏ لا إله إلا الله‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ إنما قالها متعوذاً قال‏:‏ ‏(‏فهلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب‏؟‏‏)‏‏.‏

6 ـ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر، في شوال سنة 7 هـ في ثلاثين راكبًا‏.‏ وذلك أن أسِير أو بشير بن زارم كان يجمع غطفان لغزو المسلمين، فأخرجوا أسيرًا في ثلاثين من أصحابه، وأطمعوه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستعمله على خيبر، فلما كانوا بقَرْقَرَة نِيَار وقع بين الفريقين سوء ظن أفضي إلى قتل أسير وأصحابه الثلاثين‏.‏ ذكر الواقدي هذه السرية في شوال سنة ست قبل خيبر بأشهر‏.‏

7 ـ سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجَبار ‏[‏بالفتح، أرض لغطفان، وقيل‏:‏ لفَزَارَة وعُذْرَة‏]‏، في شوال سنة 7 هـ في ثلاثمائة من المسلمين، للقاء جمع كبير تجمعوا للإغارة على أطراف المدينة، فساروا الليل وكمنوا النهار، فلما بلغهم مسير بشير هربوا، وأصاب بشير نعما كثيرة، وأسر رجلين، فقدم بهما المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما‏.‏

8 ـ سرية أبي حَدْرَد الأسلمي إلى الغابة، ذكرها ابن القيم في سرايا السنة السابعة قبل عمرة القضاء، وملخصها‏:‏ أن رجلا من جُشَم بن معاوية أقبل في عدد كبير إلى الغابة، يريد أن يجمع قيسًا على محاربة المسلمين‏.‏ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين ليأتوا منه بخبر وعلم، فوصلوا إلى القوم مع غروب الشمس، فكمن أبو حدرد في ناحية، وصاحباه في ناحية أخري، وأبطأ على القوم راعيهم حتى ذهبت فحمة العشاء، فقام رئيس القوم وحده، فلما مر بأبي حدرد رماه بسهم في فؤاده فسقط ولم يتكلم، فاحتز أبو حدرد رأسه، وشد في ناحية العسكر، وكبر، وكبر صاحباه وشدا، فما كان من القوم إلا الفرار، واستاق المسلمون الثلاثة الكثير من الإبل والغنم‏.‏

*عمرة القضاء :

قال الحاكم‏:‏ تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هَلَّ ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وألا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكانت عدتهم ألفين سوي النساء والصبيان‏.‏ ا هـ‏.‏

واستخلف على المدينة عُوَيف بن الأضْبَط الدِّيلي، أو أبا رُهْم الغفاري، وساق ستين بدنة، وجعل عليها ناجية بن جُنْدُب الأسلمي، وأحرم للعمرة من ذي الحُلَيْفَة، ولبي، ولبي المسلمون معه، وخرج مستعداً بالسلاح والمقاتلة، خشية أن يقع من قريش غدر، فلما بلغ يَأجُج وضع الأداة كلها‏:‏ الحَجَف والمِجَانّ والنَّبْل والرِّماح، وخلف عليها أوس بن خَوْلِي الأنصاري في مائتي رجل، ودخل بسلاح الراكب‏:‏ السيوف في القُرُب‏.‏

وكان رسول اللهصلى الله عليه وسلم عند الدخول راكباً على ناقته القَصْواء، والمسلمون متوشحون السيوف، محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يلبون‏.‏

وخـرج المشركـون إلى جبل قُعَيْقِعَان ـ الجبل الذي في شمال الكعبة ـ ليروا المسلمين، وقد قالوا فيما بينهم‏:‏ إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمي يثرب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين‏.‏ ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم، وإنما أمرهم بذلك ليري المشركين قوته كما أمرهم بالاضطباع، أي أن يكشفوا المناكب اليمني، ويضعوا طرفي الرداء على اليسري‏.‏

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية التي تطلعه على الحَجُون ـ وقد صف المشركون ينظرون إليه ـ فلم يزل يلبي حتى استلم الركن بمِحْجَنِه، ثم طاف، وطاف المسلمون، وعبد الله بن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز متوشحاً بالسيف‏:‏

وفي حديث أنس فقال عمر‏:‏ يا ابن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله تقول الشعر‏؟‏ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خَلِّ عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل‏)‏‏.‏

ورَمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ثلاثة أشواط، فلما رآهم المشركون قالوا‏:‏ هؤلاء الذين زعمتم أن الحمي قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا‏.‏

ولما فرغ من الطواف سعي بين الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي، وقد وقف الهدي عند المروة، قال‏:‏ ‏(‏هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر‏)‏، فنحر عند المروة، وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون، ثم بعث ناساً إلى يَأْجُج، ليقيموا على السلاح، ويأتي الآخرون فيقضون نسكهم ففعلوا‏.‏

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا علياً فقالوا‏:‏ قل لصاحبك‏:‏ اخرج عنا فقد مضي الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل بسَرِف فأقام بها‏.‏

ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة، تنادى، يا عم يا عم، فتناولها علي، واختصم فيها على وجعفر وزيد، فقضي النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر ؛ لأن خالتها كانت تحته‏.‏

وفي هذه العمرة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث العامرية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في مكة بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة، فجعلت أمرها إلى العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجها إياه، فلما خرج من مكة خلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمشي، فبني بها بسرف‏.‏

وسميت هذه العمرة بعمرة القضاء ؛ إما لأنها كانت قضاء عن عمرة الحُدَيْبِيَة، أو لأنها وقعت حسب المقاضاة ـ أي المصالحة ـ التي وقعت في الحديبية، والوجه الثاني رجحه المحققون، وهذه العمرة تسمي بأربعة أسماء‏:‏ القضاء، والقَضِيَّة، والقصاص، والصُّلح‏.‏

وقــد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرجـوع مـن هذه العمرة عدة سرايا، وهي كما يلي‏:‏

1 ـ سرية ابن أبي العوجاء، في ذي الحجة سنة 7 هـ في خمسين رجلاً‏.‏ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني سُلَيْم ؛ ليدعوهم إلى الإسلام، فقالوا‏:‏ لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا، ثم قاتلوا قتالاً شديداً‏.‏ جرح فيه أبو العوجاء، وأسر رجلان من العدو‏.‏

2 ـ سرية غالب بن عبد الله إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفَدَك، في صفر سنة 8 هـ‏.‏ بعث في مائتي رجل، فأصابوا من العدو نعما، وقتلوا منهم قتلي‏.‏

3 ـ سرية ذات أطلح في ربيع الأول سنة 8 هـ‏.‏ كانت بنو قُضَاعَة قد حشدت جموعاً كبيرة للإغارة على المسلمين، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الأنصاري في خمسة عشر رجلاً، فلقوا العدو، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهـم، وأرشقوهم بالنبل حتى استشهد كلهم إلا رجل واحد، فقد ارْتُثَّ من بين القتلي‏.‏

4 ـ سرية ذات عِرْق إلى بني هوازن، في ربيع الأول سنة 8 هـ‏.‏ كانت بنو هوازن قد أمدت الأعداء مرة بعد أخري فأرسل إليها شُجَاع بن وهب الأسدي في خمسة وعشرين رجلاً، فاستاقوا نَعَما من العدو، ولم يلقوا كيداً‏.

معركة مؤتة



وهذه المعركة أكبر لقاء مُثْخِن، وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مقدمة وتمهيد لفتوح بلدان النصاري، وقعت في جمادي الأولي سنة 8 هـ، وفق أغسطس أو سبتمبر سنة 926 م‏.‏

ومؤتة ‏(‏بالضم فالسكون‏)‏ هي قرية بأدني بلقاء الشام، بينها وبين بيت المقدس مرحلتان‏.‏

* سبب المعركة‏ :

وسبب هذه المعركة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَي‏.‏ فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني ـ وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر ـ فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه‏.‏

وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نقلت إليه الأخبار، فجهز إليهم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب‏.‏

* أمراء الجيش ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم‏ :

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال‏:‏ ‏(‏إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة‏)‏ ، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة‏.‏

وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم‏:‏ ‏(‏اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء‏)
‏‏.‏


* توديع الجيش الإسلامي وبكاء عبد الله بن رواحة‏‏ :

ولما تهيأ الجيش الإسلامي للخروج حضر الناس، وودعوا أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلموا عليهم، وحينئذ بكي أحد أمراء الجيش ـ عبد الله بن رواحة ـ فقالوا‏:‏ ما يبكيك‏؟‏ فقال‏:‏ أما والله ما بي حب الدنيا، ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار‏:‏‏{‏وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏71‏]‏، فلست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود‏؟‏ فقال المسلمون‏:‏ صحبكم الله بالسلامة، ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة‏:‏

لكنني أسأل الرحمن مغفــرة ** وضربة ذات فرع تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجـهزة ** بحربة تنفذ الأحشـاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي ** أرشده الله من غاز وقد رشدا

ثم خرج القوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودّعهم‏.‏



* تحرك الجيش الإسلامي، ومباغتته حالة رهيبة‏‏ :

وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال حتى نزل مَعَان، من أرض الشام، مما يلي الحجاز الشمإلى، وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن هرقل نازل بمآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لَخْم وجُذَام وبَلْقَيْن وبَهْرَاء وبَلِي مائة ألف‏.‏


* المجلس الاستشاري بمَعَان‏ :

لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم ـ الذي بوغتوا به في هذه الأرض البعيدة ـ وهل يهجم جيش صغير، قوامه ثلاثة آلاف مقاتل فحسب، على جيش كبير عرمرم مثل البحر الخضم، قوامه مائتا ألف مقاتل‏؟‏ حار المسلمون، وأقاموا في مَعَان ليلتين يفكرون في أمرهم، وينظرون ويتشاورون، ثم قالوا‏:‏ نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له‏.‏

ولكن عبد الله بن رواحة عارض هذا الرأي، وشجع الناس، قائلاً‏:‏ يا قوم، والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم تطلبون‏:‏ الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدي الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة‏.‏ وأخيراً استقر الرأي على ما دعا إليه عبد الله بن رواحة‏
.‏


* الجيش الإسلامي يتحرك نحو العدو‏‏ :

وحينئذ بعد أن قضي الجيش الإسلامي ليلتين في معان، تحركوا إلى أرض العدو، حتى لقيتهم جموع هرقل بقرية من قرى البلقاء يقال لها‏:‏ ‏[‏َشَارِف‏]‏ ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى مؤتة، فعسكروا هناك، وتعبأوا للقتال، فجعلوا على ميمنتهم قُطْبَة بن قتادة العُذْرِي، وعلى الميسرة عبادة بن مالك الأنصاري‏.

* بداية القتال، وتناوب القواد‏ :

وهناك في مؤتة التقي الفريقان، وبدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل‏.‏ معركة عجيبة تشاهدها الدنيا بالدهشة والحيرة، ولكن إذا هبت ريح الإيمان جاءت بالعجائب‏.‏

أخذ الراية زيد بن حارثة ـ حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وجعل يقاتل بضراوة بالغة، وبسالة لا يوجد لها نظير إلا في أمثاله من أبطال الإسلام، فلم يزل يقاتل ويقاتل حتى شاط في رماح القوم، وخر صريعاً‏.‏

وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل‏.‏ يقال‏:‏ إن رومياً ضربه ضربةً قطعته نصفين، وأثابه الله بجناحيه جناحين في الجنة، يطير بهما حيث يشاء ؛ ولذلك سمي بجعفر الطيار، وبجعفر ذي الجناحين‏.‏

روى البخاري عن نافع؛ أن ابن عمر أخبره‏:‏ أنه وقف على جعفر يؤمئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره، يعني ظهره‏.‏

وفي رواية أخري قال ابن عمر‏:‏ كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلي، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية‏.‏ وفي رواية العمري عن نافع زيادة‏:‏ ‏[‏فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده‏]‏‏.‏

ولما قتل جعفر بعد أن قاتل بمثل هذه الضراوة والبسالة، أخذ الراية عبد الله بن رواحة، وتقدم بها، وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد، حتى حاد حيدة ثم قال‏:‏

ثم نزل، فأتاه ابن عم له بعَرْق من لحم فقال‏:‏ شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نَهْسَة، ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل‏.‏

* الراية إلى سيف من سيوف الله‏‏ :

وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان ـ اسمه ثابت بن أقرم ـ فأخذ الراية وقال‏:‏ يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا‏:‏ أنت‏.‏ قال‏:‏ ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً، فقد روي البخاري عن خالد بن الوليد قال‏:‏ لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية‏.‏ وفي لفظ آخر‏:‏ لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية‏.‏

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة ـ مخبراً بالوحي، قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتال‏:‏ ‏(‏أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم‏)‏‏.‏

* نهاية المعركة‏ :

ومع الشجاعة البالغة والبسالة والضراوة المريرتين، كان مستغرباً جداً أن ينجح هذا الجيش الصغير في الصمود أما تيارات ذلك البحر الغطمطم من جيوش الروم‏.‏ ففي ذلك الوقت أظهر خالد بن الوليد مهارته ونبوغه في تخليص المسلمين مما ورطوا أنفسهم فيه‏.‏

واختلفت الروايات كثيراً فيما آل إليه أمر هذه المعركة أخيراً‏.‏ ويظهر بعد النظر في جميع الروايات أن خالد بن الوليد نجح في الصمود أمام جيش الرومان طول النهار، في أول يوم من القتال‏.‏ وكان يشعر بمسيس الحاجة إلى مكيدة حربية تلقي الرعب في قلوب الرومان حتى ينجح في الانحياز بالمسلمين من غير أن يقوم الرومان بحركات المطاردة‏.‏ فقد كـان يعرف جيداً أن الإفلات من براثنهم صعب جداً لو انكشف المسلمون، وقام الرومان بالمطاردة‏.‏

فلما أصبح اليوم الثاني غير أوضاع الجيش، وعبأه من جديد، فجعل مقدمته ساقه، وميمنته ميسرة، وعلى العكس، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم، وقالوا‏:‏ جاءهم مدد، فرعبوا، وصار خالد ـ بعد أن تراءي الجيشان، وتناوشا ساعة ـ يتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً، مع حفظ نظام جيشه، ولم يتبعهم الرومان ظناً منهم أن المسلمين يخدعونهم، ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء‏.‏

وهكذا انحاز العدو إلى بلاده، ولم يفكر في القيام بمطاردة المسلمين ونجح المسلمون في الانحياز سالمين، حتى عادوا إلى المدينة‏.‏

* قتلى الفريقين‏‏ :

واستشهد يومئذ من المسلمين اثنا عشر رجلاً، أما الرومان، فلم يعرف عدد قتلاهم، غير أن تفصيل المعركة يدل على كثرتهم‏.‏

* أثر المعركة‏‏ :

وهذه المعركة وإن لم يحصل المسلمون بها على الثأر، الذي عانوا مرارتها لأجله، لكنها كانت كبيرة الأثر لسمعة المسلمين، إنها ألقت العرب كلها في الدهشة والحيرة، فقد كانت الرومان أكبر وأعظم قوة على وجه الأرض، وكانت العرب تظن أن معني جلادها هو القضاء على النفس وطلب الحتف بالظِّلْف، فكان لقاء هذا الجيش الصغير ـ ثلاثة آلاف مقاتل ـ مع ذلك الجيش الضخم العرمرم الكبير ـ مائتا ألف مقاتل ـ ثم الرجوع عن الغزو من غير أن تلحق به خسارة تذكر‏.‏ كان كل ذلك من عجائب الدهر، وكان يؤكد أن المسلمين من طراز آخر غير ما ألفته العرب وعرفته، وأنهم مؤيدون ومنصورون من عند الله، وأن صاحبهم رسول الله حقاً‏.‏ ولذلك نري القبائل اللدودة التي كانت لا تزال تثور على المسلمين جنحت بعد هذه المعركة إلى الإسلام، فأسلمت بنو سُلَيْم وأشْجَع وغَطَفَان وذُبْيَان وفَزَارَة وغيرها‏.‏

وكانت هذه المعركة بداية اللقاء الدامي مع الرومان، فكانت توطئة وتمهيداً لفتوح البلدان الرومانية، واحتلال المسلمين الأراضي البعيدة النائية‏

*سرية ذات السَّلاسِل‏‏ :

ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموقف القبائل العربية ـ التي تقطن مشارف الشام ـ في معركة مؤتة من اجتماعهم إلى الرومان ضد المسلمين، شعر بمسيس الحاجة إلى القيام بحكمة بالغة توقع الفرقة بينها وبين الرومان، وتكون سبباً للائتلاف بينها وبين المسلمين، حتى لا تتحشد مثل هذه الجموع الكبيرة مرة أخري‏.‏

واختار لتنفيذ هذه الخطة عمرو بن العاص ؛ لأن أم أبيه كانت امرأة من بَلِي‏.‏ فبعثه إليهم في جمادي الآخرة سنة 8 هـ على إثر معركة مؤتة ؛ ليستألفهم، ويقال‏:‏ بل نقلت الاستخبارات أن جمعاً من قُضَاعَة قد تجمعوا، يريدون أن يدنوا من أطراف المدينة، فبعثه إليه، ويمكن أن يكون السببان اجتمعا معاً‏.‏

وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، ومعهم ثلاثون فرساً، وأمره أن يستعين بمن مر به من بَلِي وعُذْرَةَ وبَلْقَيْنِ‏.‏ فسار الليل وَكمَنَ النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً، فبعث رافع بن مَكِيثٍ الجُهَنِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين، وعقد له لواء، وبعث له سراة المهاجرين والأنصار ـ فيهم أبو بكر وعمر ـ وأمره أن يلحق بعمرو، وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا‏.‏ فلما لحق به أراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو‏:‏ إنما قدمت على مددا، وأنا الأمير، فأطاعه أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس‏.‏

وسار حتى وطئ بلاد قُضَاعَة، فدوخها حتى أتي أقصي بلادهم، ولقي في آخر ذلك جمعاً، فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا‏.‏

وبعث عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقفولهم وسلامتهم، وما كان في غزاتهم‏.‏

وذات السلاسل ‏[‏بضم السين الأولي وفتحها‏:‏ لغتان‏]‏ بقعة وراء وادي القُرَي، بينها وبين المدينة عشرة أيام‏.‏ وذكر ابن إسحاق أن المسلمين نزلوا على ماء بأرض جُذَام يقال له‏:‏ السلسل، فسمي ذات السلاسل‏.‏


* سرية أبي قتادة إلى خضرة‏ :

كانت هذه السرية في شعبان سنة 8 هـ ؛ وذلك لأن بني غَطَفَان كانوا يتحشدون في خَضِرَة ـ وهي أرض مُحَارِب بنَجْد ـ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجلاً، فقتل منهم، وسَبَي وغنم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة‏.

غزوة فتح مكة



قال ابن القيم‏:‏ هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلــده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر بـه أهـل السمـاء، وضـربت أطناب عِزِّه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به فــي ديــن الله أفواجـاً، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجاً ا‏.‏ هـ‏.‏

* سبب الغزوة‏‏ :

قدمنا في وقعة الحديبية أن بنداً من بنود هذه المعاهدة يفيد أن من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وأن القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين تعتبر جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من تلك القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق‏.‏

وحسب هذا البند دخلت خُزَاعَة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وصارت كل من القبيلتين في أمن من الأخري، وقد كانت بين القبيلتين عداوة وتوترات في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، ووقعت هذه الهدنة، وأمن كل فريق من الآخر ـ اغتنمها بنو بكر، وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فخرج نَوْفَل بن معاوية الدِّيلي في جماعة من بني بكر في شهر شعبان سنة 8 هـ، فأغاروا على خزاعة ليلاً، وهم على ماء يقال له‏:‏ ‏[‏الوَتِير‏]‏ فأصابوا منهم رجالاً، وتناوشوا واقتتلوا، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم رجال من قريش مستغلين ظلمة الليل، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر‏:‏ يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك، فقال كلمة عظيمة‏:‏ لا إله اليوم يا بني بكر، أصيبوا ثأركم‏.‏ فلعمري إنكم لتَسرِقُون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه‏؟‏

ولما دخلت خزاعة مكة لجأوا إلى دار بُدَيْل بن وَرْقَاء الخزاعي، وإلى دار مولي لهم يقال له‏:‏ رافع‏.‏

وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي، فخرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس فقال‏:‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نصرت يا عمرو بن سالم‏)‏، ثم عرضت له سحابة من السماء، فقال‏:‏ ‏(‏إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب‏)‏‏.‏

ثم خرج بُدَيْل بن وَرْقَاء الخزاعي في نفر من خُزَاعَة، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأخبروه بمن أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم رجعوا إلى مكة‏.




* أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح‏ :

ولا شك أن ما فعلت قريش وحلفاؤها كان غدراً محضاً ونقضاً صريحاً للميثاق، لم يكن له أي مبرر، ولذلك سرعان ما أحست قريش بغدرها، وخافت وشعرت بعواقبه الوخيمة، فعقدت مجلساً استشارياً، وقررت أن تبعث قائدها أبا سفيان ممثلاً لها ليقوم بتجديد الصلح‏.‏

وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بما ستفعله قريش إزاء غدرتهم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العَقْدَ، ويزيد في المدة‏)‏‏.‏

وخرج أبو سفيان ـ حسب ما قررته قريش ـ فلقي بديل بن ورقاء بعُسْفَان ـ وهو راجع من المدينة إلى مكة ـ فقال‏:‏ من أين أقبلت يا بديل‏؟‏ ـ وظن أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ سرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي‏.‏ قال‏:‏ أو ما جئت محمداً‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان‏:‏ لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوي، فأتي مبرك راحلته، فأخذ من بعرها، ففته، فرأي فيها النوي، فقال‏:‏ أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً‏.‏

وقدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال‏:‏ يا بنية، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني‏؟‏ قالت‏:‏ بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس‏.‏ فقال‏:‏ والله لقد أصابك بعدي شر‏.‏

ثم خرج حتى أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ما أنا بفاعل‏.‏ ثم أتي عمر بن الخطاب فكلمه، فقال‏:‏ أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فوالله لو لم أجد إلا الذَّرَّ لجاهدتكم به، ثم جاء فدخل على على بن أبي طالب، وعنده فاطمة، وحسن، غلام يدب بين يديهما، فقال‏:‏ يا علي، إنك أمس القوم بي رحماً، وإني قد جئت في حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائباً، اشفع لي إلى محمد، فقال‏:‏ ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه‏.‏ فالتفت إلى فاطمة، فقال‏:‏ هل لك أن تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر‏؟‏ قالت‏:‏ والله ما يبلغ ابني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحيئذ أظلمت الدنيا أمام عيني أبي سفيان، فقال لعلى بن أبي طالب في هلع وانزعاج ويأس وقنوط‏:‏ يا أبا الحسن، إني أري الأمور قد اشتدت علي، فانصحني، قال‏:‏ والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك‏.‏ ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الْحَقْ بأرضك‏.‏ قال‏:‏ أو تري ذلك مغنياً عني شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ لا والله ما أظنه، ولكني لم أجد لك غير ذلك‏.‏ فقام أبو سفيان في المسجد، فقال‏:‏ أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره، وانطلق‏.‏

ولما قدم على قريش، قالوا‏:‏ ما وراءك‏؟‏ قال‏:‏ جئت محمداً فكلمته، فوالله ما رد على شيئاً، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت عمر بن الخطاب، فوجدته أدني العدو، ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم، قد أشار على بشيء صنعته، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئاً أم لا‏؟‏ قالوا‏:‏ وبم أمرك‏؟‏ قال‏:‏ أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت، قالوا‏:‏ فهل أجاز ذلك محمد‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ ويلك، إن زاد الرجل على أن لعب بك‏.‏ قال‏:‏ لا والله ما وجدت غير ذلك‏.‏

* التهيؤ للغزوة ومحاولة الإخفاء‏‏ :

يؤخذ من رواية الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عائشة ـ قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثلاثة أيام ـ أن تجهزه، ولا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال‏:‏ يابنية، ما هذا الجهاز‏؟‏ قالت‏:‏ والله ما أدري‏.‏ فقال‏:‏ والله ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد رسول الله‏؟‏ قالت‏:‏ والله لا علم لي، وفي صباح الثالثة جاء عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكباً، وارتجز‏:‏ يا رب إني ناشد محمداً‏.‏‏.‏‏.‏ الأبيات‏.‏ فعلم الناس بنقض الميثاق، وبعد عمرو جاء بديل، ثم أبو سفيان، وتأكد عند الناس الخبر، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، وقال‏:‏ ‏(‏اللّهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها‏)‏‏.‏

وزيادة في الإخفاء والتعمية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قوامها ثمانية رجال، تحت قيادة أبي قتادة بن رِبْعِي، إلى بطن إضَم، فيما بين ذي خَشَب وذي المروة، على ثلاثة بُرُد من المدينة، في أول شهر رمضان سنة 8 هـ ؛ ليظن الظان أنه صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى تلك الناحية، ولتذهب بذلك الأخبار، وواصلت هذه السرية سيرها، حتى إذا وصلت حيثما أمرت بلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة، فسارت إليه حتى لحقته‏.‏

وكتب حاطب بن أبي بَلْتَعَة إلى قريش كتاباً يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، ثم أعطاه امرأة، وجعل لها جُعْلاً على أن تبلغه قريشاً، فجعلته في قرون رأسها، ثم خرجت به، وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علياً والمقداد والزبير بن العوام وأبا مَرْثَد الغَنَوِي فقال‏:‏ ‏(‏انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَةَ خَاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب إلى قريش‏)‏، فانطلقوا تعادي بهم خيلهم حتى وجدوا المرأة بذلك المكان، فاستنـزلوها، وقالوا‏:‏ معك كتاب‏؟‏ فقالت‏:‏ ما معي كتاب، ففتشوا رحلها فلم يجدوا شيئاً‏.‏ فقال لها علي‏:‏ أحلف بالله، ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، والله لتخرجن الكتاب أو لنجردنك‏.‏ فلما رأت الجد منه قالت‏:‏ أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليهم، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه‏:‏ ‏(‏من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش‏)‏ يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً، فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا يا حطب‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ لا تَعْجَلْ على يا رسول الله‏.‏ والله إني لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتددت ولا بدلت، ولكني كنت امرأ مُلْصَقـًا في قريش ؛ لست من أنْفَسِهم، ولي فيهم أهل وعشيرة وولد، وليس لي فيهم قرابة يحمونهم، وكان من معك له قرابات يحمونهم، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي‏.‏ فقال عمر بن الخطاب‏:‏ دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فإنه قد خان الله ورسوله، وقد نافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنه قد شهد بدراً، وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏، فذَرَفَتْ عينا عمر، وقال‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

وهكذا أخذ الله العيون، فلم يبلغ إلى قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وتهيئهم للزحف والقتال‏.‏

*الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة‏‏ :

ولعشر خلون من شهر رمضان المبارك 8 هـ، غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة متجهاً إلى مكــة، في عشرة ألاف من الصحابة رضي الله عنهم، واستخـلف على المدينة أبا رُهْم الغفاري‏.‏

ولما كان بالجُحْفَة ـ أو فوق ذلك ـ لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً، ثم لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان ابن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية، فأعرض عنهما، لما كان يلقاه منهما من شدة الأذي والهجو، فقالت له أم سلمة‏:‏ لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقي الناس بك‏.‏ وقال على لأبي سفيان بن الحارث‏:‏ ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف‏:‏ ‏{‏قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏91‏]‏، فإنه لا يرضي أن يكون أحد أحسن منه قولاً‏.‏ ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏92‏]‏، فأنشده أبو سفيان أبياتاً منها‏:‏

فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال‏:‏ ‏(‏أنتَ طَرَّدْتَنِي كل مُطَرَّد‏؟‏‏)‏‏.‏


* الجيش الإسلامي ينزل بمَرِّ الظَّهْرَان‏‏ :

وواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو صائم، والناس صيام، حتى بلغ الكُدَيْد ـ وهو ماء بين عُسْفَان وقُدَيْد ـ فأفطر، وأفطر الناس معه‏.‏ ثم واصل سيره حتى نزل بمر الظهران ـ وادي فاطمة ـ نزله عشاء، فأمر الجيش، فأوقدوا النيران، فأوقدت عشرة آلاف نار، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه

* أبو سفيان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ :

وركب العباس ـ بعد نزول المسلمين بمر الظهران ـ بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وخرج يلتمس، لعله يجد بعض الحَطَّابة أو أحداً يخبر قريشاً ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها‏.‏

وكان الله قد عمي الأخبار عن قريش، فهم على وَجَلٍ وترقب، وكان أبو سفيان يخرج يتجسس الأخبار، فكان قد خرج هو وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار‏.‏

قال العباس‏:‏ والله إني لأسير عليها ـ أي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول‏:‏ ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً‏.‏ قال‏:‏ يقول بديل‏:‏ هذه والله خزاعة، حَمَشَتْها الحرب، فيقول أبو سفيان‏:‏ خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها‏.‏

قال العباس‏:‏ فعرفت صوته، فقلت‏:‏ أبا حَنْظَلَة‏؟‏ فعرف صوتي، فقال‏:‏ أبا الفضل‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ مالك‏؟‏ فداك أبي وأمي‏.‏ قلت‏:‏ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله‏.‏

قال‏:‏ فما الحيلة فداك أبي وأمي‏؟‏، قلت‏:‏ والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة، حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك، فركب خلفي، ورجع صاحباه‏.‏

قال‏:‏ فجئت به، فكلما مررت به على نار من نيران المسلمين، قالوا‏:‏ من هذا‏؟‏ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا‏:‏ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته‏.‏ حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال‏:‏ من هذا‏؟‏ وقام إلى، فلما رأي أبا سفيان على عجز الدابة قال‏:‏ أبو سفيان، عدو الله‏؟‏ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركضتُ البغلة فسبقت، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عليه عمر، فقال‏:‏ يا رسول الله، هذا أبو سفيان فدعني أضرب عنقه، قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت‏:‏ والله لا يناجيه الليلة أحد دوني، فلما أكثر عمر في شأنه قلت‏:‏ مهلاً يا عمر، فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا، قال‏:‏ مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامك كان أحب إلى من إسلام الخطاب، لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به‏)‏، فذهبت، فلما أصبحت غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال‏:‏ ‏(‏ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك‏؟‏ لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغني عني شيئاً بعد‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله‏؟‏‏)‏، قال‏:‏ بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك‏:‏ أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيء‏.‏ فقال له العباس‏:‏ ويحك أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، قبل أن تضرب عنقك، فأسلم وشهد شهادة الحق‏.‏

قال العباس‏:‏ يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، من دخل دار أبي سفيا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://as7ab3la6ol.yoo7.com
Crazy Boy
פ•|الــ ع ٌـــمــدة |•¤×
פ•|الــ ع ٌـــمــدة |•¤×
Crazy Boy


عدد المساهمات : 1260
نقاط : 4564
السٌّمعَة : 145
تاريخ التسجيل : 17/10/2010
الموقع : https://as7ab3la6ol.yoo7.com

السيره النبويه (الجزء الثاني عشر) Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيره النبويه (الجزء الثاني عشر)   السيره النبويه (الجزء الثاني عشر) Emptyالخميس ديسمبر 09, 2010 12:21 pm

شكرا يا كبير على السلسه الجامدة دى وبارك الله فيك
وننتظر المزيد من المواضيع الشيقه تقبل مرورى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://as7ab3la6ol.yoo7.com
abo_3ali
مشرف قسم
مشرف قسم
abo_3ali


عدد المساهمات : 851
نقاط : 997
السٌّمعَة : 24
تاريخ التسجيل : 24/10/2010
العمر : 36

السيره النبويه (الجزء الثاني عشر) Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيره النبويه (الجزء الثاني عشر)   السيره النبويه (الجزء الثاني عشر) Emptyالثلاثاء ديسمبر 14, 2010 3:28 pm

جزاك الله خيرآ تسلم ايدك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السيره النبويه (الجزء الثاني عشر)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السيره النبويه (الجزء الثاني)
» السيره النبويه (الجزء الثالث عشر)
» السيره النبويه (الجزء الرابع عشر)
» السيره النبويه (الجزء الأخير)
» السيره النبويه (الجزء الثالث)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
..:: KaZaMiZa Cafe Net ::.. :: اسلاميات | Islamic-
انتقل الى: